يتشكل إرث كل شركة ألعاب بناءً على النجاحات والأخطاء التي وقعت فيها بالتساوي، كان PS3 نقطة سوداء في تاريخ بلايستيشن الناصع – بالرغم من نجاح المنصة في الأعوام الأخيرة من دورة حياتها – والسبب هو سلسلة من القرارات التي تسببت فيها غطرسة شركة Sony وثقتها المطلقة في العلامة التجارية التي باعت عشرات الملايين من الوحدات على مدار أكثر من عقد كامل، ولكن لماذا كان إطلاق PS3 فاشلًا؟ لأسباب لا حصر لها، سواء السعر الأعلى من كل المنافسين، أو الهندسة المعمارية المعقدة جدًا التي جعلت PS3 عبارة عن منصة ألعاب قوية ولكنها في نفس الوقت معقدة للغاية من حيث طريقة تطوير الألعاب، مما جعل أغلب المطورين يعتمدون على Xbox 360 بصفته منصة التطوير الأساسية في ذلك الوقت، وهو الأمر الذي تسبب في صداع لا ينتهي لكل من الاستوديوهات الداخلية واستوديوهات الطرف الثالث على حد سواء.
ومع ذلك، تمكنت الشركة اليابانية من جعل منصتها الأكثر مبيعًا في ذلك الجيل، لكن الفارق كان أقل مما كان عليه في الأجيال السابقة وأعطى الإحساس لشركة مايكروسوفت، التي قامت بعمل استثنائي مع Xbox 360، أن قرارات سوني المتخبطة سيترتب عليها عواقب في المستقبل القريب، قبل أن تقع مايكروسوفت في نفس الأخطاء الساذجة مع Xbox One.
تعود سوني للقرارات الخاطئة مرة أخرى مع خبر إلغاء لعبة The Last of Us الجماعية مؤخرًا، خاصة في ظل تركيز الشركة على الألعاب الخدمية التي تتطور بشكل ملحوظ للسيطرة على نصيب الأسد في سوق ألعاب الفيديو في المستقبل القريب، وعلى الرغم من أنه من النادر أن يجادل أي شخص بخصوص فوز PS5 بمعركة هذا الجيل من حيث عدد الوحدات المباعة في ظل سيطرته المطلقة – في 2023 تحديدًا – على المبيعات العالمية، إلا أن قرارات سوني المتهورة قد تضر علامتها التجاري الشهيرة في المستقبل بصورة أكبر مما يبدو عليه الوضع الآن.
ليس سرًا أن الأمور لم تكن تسير على ما يرام تمامًا مع لعبة Naughty Dog الجماعية منذ فترة، وكانت هناك أسباب تدعو للقلق بشأن اللعبة ومستقبلها، تحديدًا منذ إعلان Hermen Hulst، رئيس استوديوهات بلايستيشن، أن 12 لعبة خدمية قيد التطوير لدى PlayStation، وقتها بدأ العديد من المستخدمين في إظهار شكوكهم، إذ يمثل هذا الإجراء تغييرًا جذريًا في توجه الشركة وكتالوج ألعابها المعتمد على القصص الفردية السينمائية والشخصيات صاحبة الحضور القوي، وليس من قبيل الصدفة أنه عندما يفكر شخص ما في PlayStation، فإن أول ما يأتي إلى مخيلته God of War أو Uncharted أو The Last of Us، بعكس الألعاب الجماعية من الأجيال السابقة مثل Planetside 2 أو Warhawk.
رأينا تركيز بلايستيشن على الألعاب الخدمية منذ بداية الجيل الحالي، مع عنوان الإطلاق الفاشل Destruction AllStars، والذي فشل في إيجاد مكانه في ألعاب هذا النوع المنتشرة بكثافة بين اللاعبين مثل Call of Duty: Warzone أو Fortnite أو EA Sports FC، مما يقودنا إلى السؤال الأهم، هل كان هناك مجالًا في السوق لمثل هذا العدد الكبير من العناوين الخدمية؟ من المنطقي الاعتقاد بأن كل واحدة منها ستركز على جمهور مختلف تمامًا، ولكن مع الأخذ في الاعتبار التكلفة الإضافية البالغة 2.13 مليار دولار لعناوين من المفترض إطلاقها في عام 2024، ويشمل هذا ألعابًا أخرى بعيدة مثل لعبة Horizon الجماعية أو لعبة The Last of Us التي تم إلغاؤها للتو، وهو ما يعني المخاطرة بمبالغ طائلة في مشاريع لا يمكنك التنبؤ بنجاحها، بل أن تجارب سوني السابقة في هذه الفئة فشلت بما لا يدع مجالًا للشك أن السيناريو سيتكرر مرة أخرى.
اعتبر المسؤولون التنفيذيون في الشركة أن الرقم كان مرتفعًا جدًا، وأعلن جيسون شراير أن شركة Sony لم تكن مرتاحة للتغيير الجذري في توجه PlayStation، وأن العزلة التي تتمتع بها الفرق الإبداعية في ذلك الوقت بلغت ذروتها، وهنا يجب أن نتذكر أن كل هذا كان شيئًا غريبًا جدًا عما كانت تفعله استوديوهات سوني الداخلية لسنوات، حتى أنهم اضطروا إلى شراء Bungie، ليس من أجل تطوير عناوين حصرية لجهاز PS5، فالصفقة تضمن للاستوديو تطوير ألعابه لكل المنصات، ولكن من أجل الاستفادة من خبرة الاستوديو الكبيرة في الألعاب الخدمية والإشراف على مشاريع استوديوهات سوني الجديدة نظرًا لافتقار استوديوهات بلايستيشن إلى الخبرة في الألعاب الخدمية في ظل تركيزهم الكامل على ألعاب القصة الفردية.
لمعرفة مدى التخبط الذي تعاني منه سوني داخليًا، وبغض النظر عن إلغاء لعبة The Last of Us الجماعية، قبل شهرين فقط أعلنوا عن تأجيل نصف هذه الألعاب الـ 12 الخدمية، ولا يوجد تفسير منطقي لهذه القرارات العشوائية سوى أن تطوير الألعاب أصبح أكثر تكلفة وأطول بشكل متزايد، وأنه يمكن البدء في إنتاج لعبة خدمية في الوقت الذي يتمتع به هذا النوع بشعبية جارفة، ولكن عندما تنتهي عملية التطوير ويتم إطلاق العنوان بالأسواق بعد سنوات، قد تكون الظاهرة المعنية قد ماتت بالفعل ولم يعد هناك أي اهتمام بها.
في ظل هذا التخبط وميزانيات التطوير الضخمة وعدم وجود رؤية واضحة لمستقبل PS5 – ولعل 2023 أبرز دليل على ذلك في ظل ندرة حصريات الطرف الأول – فقد جيم ريان منصبه نتيجة لهذا الأمر على الأرجح، وتكمن المشكلة في أن الشركة تكبدت مليارات الدولارات، وهي أكبر عملية التزمت بها منذ إطلاق PlayStation 3 والتي تتطلب وقتًا طويلاً لتنفيذها، وهذا هو سبب وصف الاستثمار في الألعاب الخدمية بأكبر أخطاء سوني منذ جيل PS3.
من غير المرجح أن تلغي سوني جميع مشاريع الألعاب الخدمية الجاري تنفيذها، لكنها أدركت بالتأكيد أن العدد كان مبالغًا فيه، وأن الاستثمار كان مرتفعًا للغاية وأن كتالوجها لا يستوعب هذا النوع من الإصدارات، مما يجعلها مناورة محفوفة بالمخاطر للغاية، وخطأ استراتيجي وقعت فيه سوني صاحبة المبيعات الضخمة والنجاحات المتتابعة، والخبر السار هو أنه فيما يتعلق بمبيعات الأجهزة، فإن كل شيء يسير على ما يرام مع PS5 ولم تتأثر الشركة سلبًا بسبب قراراتها غير المدروسة بعناية، كما أن الاستوديوهات الداخلية تواصل إنتاج ألعاب فيديو فردية رائعة كما أظهرت Marvel’s Spider-Man 2 هذا العام أو God of War Ragnarok و Horizon: Forbidden West في العام الماضي، وإذا كان بإمكان أي شخص التعافي من هذا التخبط فهو PlayStation بلا شك مع شعبية جارفة وتفوق واضح على المنافسين، وإذا كانت سوني عادت للطريق الصحيح مع PS4 بعد معاناة PS3، فيمكن القول إن إلغاء The Last of Us Factions بمثابة ضربة قاسية للجميع بالطبع، خاصة أن الجزء الأول قدم طور لعب جماعي مميز وناجح، ولكن إذا نظرنا للجانب الإيجابي، يعني هذا أنه سيتم السماح لاستوديو Naughty Dog بالتركيز على ما يفعلونه بشكل أفضل، أي التركيز على ألعاب القصة الفردية في المقام الأول.
يظل السؤال الأهم في النهاية، ما الفائدة إذَا من شراء Bungie؟ وهل أصبح الفريق بلا دور بعد إلغاء العديد من الألعاب الخدمية والتركيز على ما تبرع فيه استوديوهات بلايستيشن الداخلية؟ دعنا نعترف أن Bungie إضافة مميز لأي شركة، فهو أبدع في القصص التي قدمها في سلسلة Halo ناهيك عن المنافسات الجماعية والألعاب الخدمية التي يتفوق فيها الاستوديو بشكل واضح، وبمجرد أن يتغلب الفريق على الكبوة الحالية ويستعيد بيئته الإبداعية، سيواصل المضي قدمًا في تقديم ألعاب رائعة لجميع المنصات بجودة مميزة ستعود بالنفع على بلايستيشن وسوني بلا شك.
