أحمد عصامعندما يقول الناس إن لعبة ما “تبدو جيدة” فإنهم يشيرون في الغالب إلى الرسوميات أي الدقة العالية والإضاءة الواقعية ونقاء التفاصيل والملمس الحاد ومع ذلك فإن التصميم الفني في الألعاب يختلف عن ذلك تمامًا فالتصميم الفني هو التعبير البصري عن اللعبة من خلال الألوان والإضاءة والأشكال والحركات وأسلوب البيئة وتصوير الشخصيات وغيرها من العناصر البصرية الفريدة النقطة الأساسية هنا ليست في مدى واقعية المظهر بل في الإحساس الذي يخلقه العالم وما يوصله من مشاعر ورسائل وما يتركه من أثر
التصميم الفني المذهل يضيف شخصية فريدة للعبة فهو يحدد المزاج العام قبل أن يُقال أي شيء ويوصل للاعب طبيعة العالم الذي وجد نفسه فيه وما هي الرسالة التي يسعى هذا العالم إلى إيصالها سواء كان ذلك من خلال أسلوب يشبه لوحات الزيت الباهتة لمدينة منهارة أو فوضى مشبعة بالألوان في نهاية العالم تحت أضواء النيون فإن الإخراج الفني يمكنه أن يحول مجرد الاستكشاف إلى تجربة عاطفية وقد تكون خالدة في الذاكرة.
The Saboteur
مقاومة مع تطور بصري مستمر
لعبة 2009 من تطوير Pandemic Studios تدور أحداثها في باريس الواقعة تحت الاحتلال النازي يبدأ عالم اللعبة غارقًا في الأبيض والأسود مع استثناءات قليلة مثل الأعلام والأضواء وأشرطة الذراع النازية التي تظهر باللون الأحمر وهذا يمنح المدينة إحساسًا بالخنق البصري
تبدأ الألوان بالعودة تدريجيًا إلى الشوارع والمقاهي والأسطح كلما تقدم اللاعب في المهام وحرر الأحياء أحد أكثر اللحظات إثارة تأتي عند تحرير منطقة Montmartre حيث تتحول المنطقة فورًا من الطابع الأحادي إلى عالم مليء بالحياة تتوهج لافتات النيون يظهر الناس في الشوارع ويظهر برج إيفل في الأفق
التصميم الفني يعمل أيضًا كوسيلة ذكية لتتبع التقدم في اللعبة لا توجد مؤشرات تقدم أو قوائم مهام تقليدية بدلًا من ذلك تعتمد اللعبة على العناصر البصرية لإبلاغ اللاعب بما عليه فعله وأين يجب أن يتوجه فعند دخول منطقة ما فإن غياب الألوان يخبر اللاعب بأنها لا تزال تحت السيطرة النازية وهذا يجعل من العالم نفسه أداة تفاعلية لتتبع التقدم.
No Man’s Sky
عوالم إجرائية داخل كون جريء ومصمم بأسلوب فني فريد
رغم انطلاقتها المتعثرة، فإن No Man’s Sky شهدت تطورًا مذهلًا جعلها واحدة من أكثر الألعاب تميزًا من الناحية البصرية والإبداعية. التصميم الفني فيها لا يسعى لتحقيق الواقعية، بل يزدهر من خلال أسلوب سريالي مصقول، حيث تغمر السماء تدرجات الأرجواني والبرتقالي، وتغطي التضاريس ألوان مشبعة ونباتات متوهجة نابضة بالحياة، وكأن المشهد مستوحى من سلسلة Avatar أو من غلاف رواية خيال علمي من السبعينيات.
روعة اللعبة تتجلى عندما يدخل اللاعب إلى نظام شمسي جديد، حيث تخرج المركبة من سرعة الضوء لتكشف عن سماء مليئة بالنجوم الغريبة وكواكب ذات أشكال خيالية، أقرب إلى الحلم منها إلى الواقع. الكائنات والنباتات والكواكب يتم توليدها بشكل إجرائي، مما يمنح كل عنصر طابعًا فريدًا وأجواء خاصة به، دون أي تسميات أو اكتشافات سابقة. وبسبب ضخامة اللعبة، هناك فرصة كبيرة أن يكتشف اللاعب شيئًا لم يره أحد قبله. حتى محطات الفضاء تختلف من واحدة لأخرى، فبعضها يظهر كمختبرات معقمة، وأخرى تضج بإضاءة النيون وكأنها مقتطعة من مدينة سايبربانك.
Batman: Arkham Knight
عمارة قوطية وانهيار حضري بأسلوب فني متقن
رغم مرور ما يقارب عشر سنوات، لا تزال Arkham Knight محافظة على مكانتها أمام ألعاب العصر الحديث. إخراجها الفني يتميز بتفاصيل معمارية قوطية وانهيار حضري مصمم بذوق بصري خاص. أفق مدينة Gotham يعج بالأبراج والهياكل الحديدية والغرغويل والمباني الصناعية المتسخة، وكأنها وُضعت بعناية لخلق جو محدد. لافتات النيون تومض بهدوء وسط الضباب، فيما تتجمع العصابات حول نيران مشتعلة في براميل مهترئة، بينما تساهم الألوان الباهتة في تعزيز الشعور بالتوتر والفراغ.
من أبرز اللحظات البصرية مشهد التحليق في السماء، حيث تنزلق قطرات المطر على درع Batman، وتتمايل عباءته مع الرياح، بينما تومض أضواء الشرطة والطائرات فوق الأفق. هذا المستوى من التفاصيل يمنح المدينة طابعًا سينمائيًا وجوًا مهيبًا. حتى واجهة المستخدم تطورت لتعكس التغير في النغمة والمكان مقارنة بالأجزاء السابقة، إذ أصبحت في Arkham Knight أكثر نحافة وحدة، ومتوافقة تمامًا مع تصميم بدلة Batman الجديدة المليئة بالتقنيات.
Death Stranding
جمال قاتم ورؤية Kojima في كل لقطة
من كتابة مبتكر Metal Gear الشهير Hideo Kojima تأتي Death Stranding كتجربة بصرية خالصة بقدر ما هي لعبة عالمها يعيد تخيل أمريكا بعد نهاية العالم مستلهمًا من مناظر آيسلندا الطبيعية من تلال منبسطة وتشكيلات صخرية حادة ومنحدرات مغطاة بالطحالب وأنهار تتلألأ تحت غطاء سحابي منخفض كل شيء في هذا العالم يبدو هادئًا وكئيبًا وبعيدًا جدًا التصميم الفني لا يسعى لإغراق اللاعبين في التفاصيل بل لجذب انتباههم نحو الفراغ والعزلة والوجود
اللعبة توازن بين مظهر خيال علمي نظيف وواقعية أرضية واضحة الجسور وخطوط الانزلاق والهياكل الخارجية والمركبات كلها تبدو وكأنها صممت من قبل حضارة تحاول بإصرار إعادة التشكيل والاتصال تصميمها انسيابي لكنها متينة متهالكة من كثرة الاستخدام لكنها تفكر في المستقبل وكل شيء يبدو ملموسًا وماديًا وكل مبنى يتم إنشاؤه بواسطة لاعبين آخرين ينسجم تمامًا مع المشهد الطبيعي المركبات تُعد من أبرز عناصر التصميم أيضًا فهي ضخمة وحادة الحواف وتبدو شبه حشرية مما يضيف إلى المزيج الغريب للعالم بين التصميم الصناعي والفراغ البري.
ما يبرز فعلًا هو الأعداء الأشباح المعروفون باسم BTs يطفون في الهواء كأشباح بشرية تشبه دخانًا كثيفًا يتسرب منهم الزيت ويتركون خلفهم آثارًا من القطران الأسود تصميمهم مخيف بطريقة صامتة تجريدية لكنها تنطوي على تهديد حقيقي أسلوب Kojima الكلاسيكي.
الشخصيات بدورها تحمل توقيعه المميز أيضًا وجوه شديدة التفاصيل أزياء متعددة الطبقات معدات تبدو تكتيكية وفي الوقت نفسه مسرحية وأسماء غريبة تتماشى مع ذلك ثم تأتي تلك اللحظات حينما يكون اللاعب يتنقل ببطء عبر سهل مفتوح يخطط لحركته التالية وفجأة يبدأ تشغيل الموسيقى تُسمع خطوات الأقدام وهي تسحق الأرض يعوي الريح وتسقط أول قطرات من مطر الـ Timefall الذي يسبب تقدم العمر لأي شيء يلمسه وفي تلك اللحظة يدرك اللاعب أنه داخل لعبة ترسم عالمها من خلال الصمت والحركة.
احمد خالد
